“ونحن بصدد الحديث عن مسألة الطاقة، لا يفوتني أن أستحضر إرث الراحل أنريكو ماتي (Enrico Mattei) مؤسس شركة ENI، الذي نعتز ونفخر به كرمز ناصعٍ من رموز الصداقة التاريخية الراسخة بين الجزائر وإيطاليا، والذي نُبارك اليوم إطلاق اسمه على خطة الشراكة والتعاون الإيطالية-الإفريقية.
هذه الخطة التي نأمل أن تضع في صلب اهتماماتها وأهدافها تجسيد الأمن الطاقوي بمفهومه الشامل، وأن تتكفل على النحو المطلوب بالتحديات التي تواجهها الدول الإفريقية في هذا الإطار، والتي يمكن إبراز أهم ملامحها في خمس نقاط أساسية:
أولا: تحدي تعزيز قدرات البلدان الإفريقية المنتجة للمحروقات.
ثانيا: تحدي تغطية المتطلبات الطاقوية لسكان القارة الإفريقية.
ثالثا: تحدي التمكن من الصناعات البترولية والبتروكيماوية والتحكم فيها.
رابعا: تحدي عصرنة البنى التحتية الخاصة بإنتاج ونقل المحروقات وموارد الطاقة الأخرى، وتأمينها من أخطار الإرهاب والجريمة المنظمة.
خامسا وأخيرا: تحدي كسب رهانات الانتقال الطاقوي الذي أضحى يشكل مطلباً ملحاً للبشرية جمعاء.
ومن هذا المنظور، تؤكد الجزائر على ضرورة، بل حتمية، حشد وتعبئة أدوات ووسائل التنفيذ المتمثلة في توفير التمويل، ونقل التكنولوجيا، وبناء القدرات، والمساعدة التقنية، ضمن مقاربة تهدف لتحقيق شراكة طاقوية مستدامة، فعلية، وفعالة.
ومن جانبها، فإن الجزائر التي تجدد التزامها بالمُساهمة كشريك موثوق في تعزيز الأمن والانتقال الطاقويين في إفريقيا وفي المنطقة الأورومتوسطية، تقترح تجسيد شراكات ملموسة حول المحاور الثلاث الآتية:
يتعلق المحور الأول بدعم جهود انجاز خط أنبوب الغاز العابر للصحراء (نيجيريا-النيجر-الجزائر) الذي سيسمح بنقل أكثر من 25 مليار متر مكعب من الغاز سنويا نحو أوروبا، مساهماً بذلك في تعزيز موقع إيطاليا كقطب طاقوي، وكمنصة لترقية الأمن الطاقوي الأوروبي، ودعم التنمية الاقتصادية والاجتماعية في الفضاءين الساحل الصحراوي والأورومتوسطي.
ويشمل المحور الثاني دعم المساعي الرامية إلى تطوير بنيات تحتية واسعة لربط شبكة الكهرباء الوطنية مع البلدان الإفريقية والمتوسطية المجاورة، خاصة وأنّ الجزائر تطرح فائضا قدره 10 آلاف ميغاوات من الكهرباء يوميا، وتتطلع إلى تعزيز قدرتها الانتاجية عبر إضافة 15 ألف ميغاوات من الكهرباء الخضراء في أفق سنة 2030.
ويتمثل المحور الثالث والأخير في مرافقة مسار الانتقال الطاقوي في الجزائر وبالخصوص فيما يتعلق بتطوير إنتاج الهيدروجين الأخضر، وتعزيز مشاركة الجزائر كفاعل أساسي في المشاريع الأوروبية الهيكلية وعلى رأسها مشروع SoutH2 Corridor.
ودعوني أؤكد، في هذا السياق، أنّ الانخراط في مسار الانتقال الطاقوي لا يعني البتة التخلي عن الغاز الطبيعي، الذي يبقى، من وجهة نظرنا، ليس فقط من أنظف الحلول وأكثرها عملية، بل من أهم الحلول وأقلها تكلفة أيضاً.
ولذا، ستعمل الجزائر خلال استضافتها للقمة السابعة لرؤساء دول وحكومات البلدان المصدرة للغاز مطلع شهر مارس المقبل، على المساهمة في تحقيق مخرجات نوعية تدعم تطوير صناعة الغاز الطبيعي في العالم، وتستجيب لتطلعات واهتمامات وأولويات منتجي ومستهلكي هذه المادة الطاقوية على حد سواء.
وشكراً.”